Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
31 janvier 2012 2 31 /01 /janvier /2012 00:49

كانت تحبّ الحياة كثيرًا

 

 

كانت تحبّ الحياة كثيرًا، وتفهم الحياة فرحًا وحركةً وخدمةً وسلامًا. كانت تعرفنا جميعًا، وتحبّنا، وتحدِثنا بلغة المحبّة، وتزرع بنفسيتها المرحة الفرح في قلوبنا. وعندما كبرنا على اللعب في الملعب وصرنا في الجامعة وبعدها في الحياة، كانت تتصل بنا جميعًا، وتطمئن إلينا وإلى أهلنا، وتتابع نشاطاتنا وهمومنا وأفراحنا، وتشاركنا في افراحنا وأحزاننا. وكما معنا كذلك كانت مع الأجيال كافة التي سبقتنا أو جاءت بعدنا، والتي رافقتها في مدرسة العائلة المقدسة الفرنسية في الجميزة والفنار، وذلك إلى أن أقعدتها سنواتها الثمانين في الدير. إنها "سور روز" الأخت روز الزغبي من راهبات العائلة المقدسة الفرنسية التي تعرّفت إليها وأنا تلميذة في صف البريفيه، عندما انتقلتُ إلى مدرسة مدرسة العائلة المقدسة الفرنسية التي ارتفعت ابنيتها في الفنار، يوم كانت الفنار أربعين منزلًا متناثرة على قمة خضراء تطلّ على البحر والجبل من كلّ الجهات.

 

 

 

كانت الأخت روز تهتم بتحضير الكنيسة قبل الإحتفال بالقداس ضمن برنامجنا الدراسي. ولكنّها كانت أيضًا تهتم بالسجناء... يسوع المسيح كان رفيقها مسجونًا في القربان لتتناوله، وفي بيت القربان لتسجد له، وفي السجون لتخدم له.... محبّة وسجود وايمان جسدتهم بالأفعال قبل الكلمات وبابتسامة كانت دائمًا رفيقتها حتّى في أحلك الظروف.

 

 

 

عندما طُلب منّا ونحن في الثانوي الأول أن نختار نشاط غير صفي، إخترتُ من بين الأنشطة الإجتماعية زيارة السجون، فأصبحنا أصدقاء تجمعنا محبّة زيارة السجناء. وبفضل تلك المرافقة إلى زيارة السجون تعرفتُ إلى الأخت روز الإنسان، التي تفيض محبّة وعطاء بلا حساب وبلا حدود. ثلاثة أمور أتوقف عندها اليوم وأنا أودعها إلى السماء الرحبة التي بدأت تعيشها وهي على الأرض.

 

 

 

أتذكر عندما كنا نزور السجناء في سجن روميه في عيد الفصح كانت دائمًا تخبئ معها علب الدخان لتوزيعها على الحرّاس قبل المساجين قائلة لي :" هؤلاء ايضًا يجب ان نهتمّ بهم لأنهم إنسان." كانت توزع ابتسامتها الصادقة الملآى بالرجاء على السجناء، لأنّهم بحاجة إلى الرجاء لا إلى قطعة الحلوى، وهذا كان فحوى الزيارة بالإضافة إلى التواصل والإصغاء وتقديم خدمات صغيرة. أخبرتني انّها منذ صباها كانت تزور السجناء وكانت تعرف سجن الرمل القديم وترى في سجن روميه تقدمًا ملموسًا في معاملة السجناء، ولكن كانت تزعجها الأنظمة الصارمة التي كانت تتشدّد أحيانُا في تلك الفترة على المساعدات الإجتماعيات. كانت تحرص سنويًا على تجديد بطاقة الدخول السنوية إلى السجن كمساعدة إجتماعية بالرغم عن كلّ تشدد كان يطرأ أحيانًا على استعمال البطاقة. لقد بقيت تزور السجون لأكثر من خمسين سنة ولولا الصعوبات المتاتية عن تقدمها بالعمر لكانت بقيت حتى يوم موتها تزور السجون لتزرع الرجاء.

 

 

 

عندما سألتها عن دعوتها ومعنى أن يقول المرء "هذه دعوتي"، أخبرتني أنّها كانت تعلّم الحساب في مدرسة العائلة المقدسة الفرنسية في الجميزة وكانت دائمًا تشعر أنّها تريد ان تصبح راهبة ولكنّ ذلك لم يلقَّ التشجيع من أهلها خوفًا من أن تبتعد عنهم. ولكنّها مع ذلك أخذت قرارها وأصبحت راهبة، لتهتم بوالديها وإخوتها إضافة إلى الدير والمدرسة ونشاطاتها، فكانت رفيقتهم حتّى الوداع الأخير. عاشت دعوتها الرهبانية كما فهمتها خدمة وبشارة. كانت واقعية في حملها رسالة المسيح، فلا تبحث في المجادلات اللاهوتية والفلسفية بل تحاول ان تكون حيث هي شعلة مضيئة في الظلام، وبلسمًا للجراح، ورفيقة للمحتاج. عاشت دعوتها محبّة لله وللإنسان، وعلّمت بخدمتها على احترام الإنسان قبل كلّ شيء.

 

 

 

لم تكن تنسى أحدًا. فكان دفتر التلفون رفيقها تتصل بالتلامذة بعد تخرجهم، فتسأل عن المريض، وتهنئ بالأعياد، تصالح المختلفين، وتقرّب القلوب المتباعدة، وتساند الضعيف، وتعيد المريض. وإذا لجأ إليها أي شخص طالبًا منها خدمة بمقدورها القيام بها استجابت بصمت، ومن دون أن يشعر احد بذلك، لتنسى بعدها انّها قامت بما هو جيّد، ولتتذكّر دائمًا الناس الأخيار الذين ساعدوها في تقديم خدمة او في حلّ مشكلة. لم تكن يدها الشمال تعرف ما فعلته يدها اليمين. تهتم بالفقراء، تدافع عن المظلوم، تقارع بالحق، تشهد بسيرتها الفاضلة أن الله محبّة. عاشت المحبّة والمحبّة فقط. كانت راهبة بكلّ معنى للكلمة.

 

 

 

كثيرون الناس الذين نسمع حولهم ضجة او يقومون بضجيج يطنّ الآذان، وقليلون الناس الذين مثل الأخت روز الزغبي يخدمون مجتمعهم بصمت وسكوت حبّا بيسوع المسيح وتمثلا به واضعين ثقتهم بلقيا الآب والإبن والروح القدس نصب أعينهم. فيملأ الثالوث حياتهم مرددين :"نعمتك تكفيني".

 

الفنار في 23/1/2012

تريز حنا عون

 

Partager cet article
Repost0

commentaires