Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
29 septembre 2011 4 29 /09 /septembre /2011 21:27

من خبايا الذاكرة: عيد الصليب.

 

ونحن أطفال كان عيد الصليب يختتم فرصتنا المدرسية الطويلة ويذكِّرنا بقرب بداية سنة مدرسية جديدة. كنا نتحضّر لليلة الثالث عشر من أيلول بفرح وانتظار حلول المساء لتبداء مراسم "النار والنور".

فكنّا نشتري مؤونة من "الفرقيع" في خلال النهار، اي المفرقعات الصغيرة التي كانت متوفرة في دكان "جدو خير" أو عمّو شفيق"، وإذا تعطّلنا كنا نطلب من والدي ان يبتاع لنا مجموعة منها من المحلات في جديدة حيث كانت المحلات أكبر وفيها أنواع جيّدة من المفرقعات.

وكانت عمتي نمنم تأخذنا منذ الصباح إلى "الحرش" بجانب البيت حيث كنا نجمع معها "القنيبلة" رزماً رزماً، فتضعها على ظهورنا كلّ بحسب قدرته على حمل كمية من أشواك الصنوبر اليابس. أحياناً كان ينتظرنا رجل ختيار كنا ندعوه " جدو أبو كريم"، فيُفاجئنا عن قصد إفراحنا بإصدار " زمور الخطر" الذي كان يُطلقه من غرفة صغيرة وسط الحرش لتخويف لصوص الصنوبر.

وما إن نسمع صفارة "أبو كريم" حتّى نركض إليه، لنتحدّث معه، فيخبرنا عن مغامراته في مطاردة " لصوص الصنوبر" بصفارة مربعة يعلوها مفتاح يبرمه من اليمين إلى الشمال فيصدر منه صوت يوهم هؤلاء أن قوى الأمن باتنظارهم لاعتقالهم، وببندقية صيد يصحّ أن يقال عنها من أيام " بندق بو فتيل".

بعد ذلك كنا ننطلق إلى عملنا الدقيق، فتجمع عمتي بالشوكة " القنيبلة" التي تفترش الأرض، ونحن بالعصي التي كنا نجدها في الحرش أو يقطعها لنا "أبو كريم". ثم كانت عمتي تجمعها رزماً ضمن حبلة تربطها في نهاية الأمر على أكتافنا، فننقلها ونحن نغني إلى المنزل، بعضها مؤونة لإشعال جمر المنقل في الشتاء البارد، وبعضها القليل لإشعال " قبّولة" عيد الصليب مساءً.

 وحين يحلّ الظلام كان أبي مع عمتي نمنم والعامل سليمان يقيمون في الجلّ القريب من المنزل " قبّولة كبيرة" من حطب وقنيبلة رمزاً لما حصل منذ أكثر من ألف وستماية سنة، حين وجدت القديسة هيلانة عود الصليب، فتمّ إشعال النار على قمّة كلّ تلّة وجبل لنقل الخبر السعيد للمسيحيين المنتشرين في وسع الأمبراطورية الرومانية. وكان أبي يعيد علينا قصة إيجاد الصليب وهو يشعل النار في " القبولة"، ليتيح لمخيلتنا ان تسافر عبر الزمن وترسم ما تشاء من مشاهد الابتهاج.

وحين تشتعل النار كان يأمرنا بالابتعاد عنها خوفاً علينا من شعلة تحرقنا. ولكننا نحن كنا نبدأ حينها بمراسمنا التي خطّطنا لها منذ بداية الصيف. فكنا نتقاسم الفرقيع" الذي اشتريناه لنرميه داخل " قبولة النار" فتختلط الشعلات وصوت حريق القنيبلة مع صوت الفرقيع المتتالي كما الرشاشات والمتفجرات. ونحن نراقب المشهد بفرح وأحياناً بصمت وإصغاء للأصوات التي أردناها مدوِيَة في هدوء قرية كانت تنام "مع الدجاج"، فتفقد ضجيجها مع مغيب الشمس ومبيت الناس في منازلهم، حتى السيارات القليلة التي كانت تمرّ كانت تزعج الساهرين في منازلهم أو عند اقاربهم وجيرانهم.

أما الأسهم النارية الصغيرة فكنا نتفنّن في إطلاقها مع القبولة أو أحيانا لدى انطفائها ليستمر العرض المشوّق. فكنا نضعها في فوهة قنانٍ فارغة جمعناها على مدى أسبوع، أو نتسابق لنطلقها من بين أصابعنا بخفة لئلا نحترق. وكان والدي يراقب ويتدخل أحياناً ليمنع عنا خطر حرق أصابعنا.

أما قمة " الشيطنة" أو السعدنة" فكانت عندما كنا نخبِّئ أصابع من المفرقعات الصغيرة لنضعها تحت علبة سردين فارغة فتنفجر، ونتفرج على تطاير العلبة باتجاهات مختلفة، أو نضعها في القنينة، ونهرب لنتفرّج على تطاير الزجاج المتفجر.... ولم نكن نسلم من صيحات والدي الذي لا يلبث أن يتدخل بسرعة ليأخذ منا ما تبقى من الفرقيع ويعلن انتهاء العيد ويأمرنا بالدخول إلى المنزل لأن ساعة النوم قد حانت.

كانت والدتي الوحيدة التي تغيب عن هذه المشاركة خوفًا من حصول ما لا يحمد عقباه. ولكنها كانت تخرج من المنزل بين الفينة والأخرى لتذكرنا بأخذ الحيطة والتنبّه، ولتطلب من أبي إبعادنا عن " القبولة" كلما رأت أننا إقتربنا منها. " يا جان بعِّد الولاد.!" وكان أبي يضحك ويطمئنها" يا لولا ما تخافي، ما راح يصرلن شي".

مفرقعاتنا الصغيرة كانت تضيف جوًا مميزًا في قريتنا الفنار، فتميّز تلك الليلة بإضاءة مختلفة، وأصوات مبتهجة، وبرائحة البارود الممتزجة مع ضحكاتنا الطفوليّة.

وكانت تلك المراسم تعيدنا إلى فرحة إيجاد الصليب المقدس، فنحيا تلك اللحظات التاريخية بعفوية، تجدّد إيماننا، وتشدّد عزيمتنا على أن نرى في الصليب حكمة الانتصار. ونحن لصغر سنِّنا لا نعلم بعد ماذا تعني كلّ هذه الرموز، لأنّه كان علينا أن نعيش تفاصيل حياتنا، فنكبر وتتتنوّع آلامنا، وتتناغم مع سنين مشوارنا في الحياة،  لنفهم حكمة الصليب، والمعنى الذي يضفيه على آلامنا، وقوة إنتصار الحبّ على الموت بالحياة.....

 

تريز حنا عون     

 

Partager cet article
Repost0

commentaires