Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
15 juillet 2010 4 15 /07 /juillet /2010 22:40
رسالتي إلى الخريجين - بقلم الدكتور فيليب سالم
منذ نصف قرن تقريباً، تخرجت من الجامعة الاميركية في بيروت، وابتدأت دراسة الطب. من يومها، الى يومنا هذا كانت رحلة طويلة امتزج فيها الألم مع الفرح، كما امتزج فيها النجاح مع الفشل. وما جئت اكتب اليوم لأسدي النصح اليكم، بل جئت لأبوح لكم بما تعلمته من النجاح والفشل لعّل في ذلك ما يضيء الطرق امامكم.
تعّلمت ان المعرفة هي القوة التي تحررنا من العبودية وانه ليس هناك من عبودية أشد واقوى من عبودية الجهل. لذلك لا تقل "من علمني حرفاً صرت له عبداً"، بل قل من علمني حرفاً اعتقني من عبوديتي. فما من قوة تفكك السلاسل التي تقيدكم كالمعرفة. واقول لكم انه كلما غصتم عمقاً في المعرفة اقتربتم من الله، وكلما اقتربتم من الله، أصبحتم واحداً، وزالت الحدود التي تفرقكم.
تتصارع على هذه الارض ثقافتان: ثقافة المعرفة، وانتم من نتاجها، وثقافة التطرف الديني والايديولوجي. فبينما يكبل التطرف الديني الانسان، ويرسم حدوداً مصطنعة بينه وبين أخيه الإنسان، تأتي المعرفة وتمحو كل هذه الحدود. ان الطائفية تفرق، اما المعرفة فتجمع. إن الطائفية تنحدر بكم الى أسفل، اما المعرفة فترتفع بكم الى أعلى. لذا لن يقوم لبناننا الذي نريده إلا اذا حررناه من سلاسل الطائفية. من هنا قلنا ونكرر بفصل الدين عن الدولة وبفصل الدين عن التعليم والتربية.
وتعلمت ان الابداع في العمل ليس ممكنا أن لم تحب عملك. فالحب هو القوة التي تحّول العمل من شيء تقوم به ويبقى خارجك الى شيء تقوم به ويصبح هو أنت. قال جبران في كتاب "النبي": "ان العمل هو الحب تجسّد فتراءى". وأقول لكم إن نوع العمل الذي تقوم به ليس مهما بقدر ما هو أهم أن تملأ هذا العمل بالحب، وتسكب فيه من نفسك. وأود أن أقول لكم ايضاً ان الحب ليس ضرورياً فقط للنجاح في العمل بل ضروري أيضاً في نجاح أهم وهو النجاح في الحياة. فاذا أردت أن تملأ حياتك معنى، فاملأها بالحب. الحب بينك وبين أهلك، بينك وبين أصدقائك وبينك وبين وطنك. واذا أحببت، قال رجل من لبنان، "فلا تقل إن الله في قلبي، بل قل أنا في قلب الله".
وتعلمت أن الطريق الى النجاح تمر دائماً بالفشل، وانك لن تتمكن من الوصول الى النجاح دون المرور بالفشل. لذا فالذين يخافون الفشل لا يتمكنون من صنع النجاح. وقد يكون غريباً عليكم اذا قلت لكم إن الفشل لربما يكون أعظم معلم قد تعرفونه. إن الفشل ليس خطيئة ابداً، بل الخطيئة أن لا تتعلم منه. والخطيئة الكبرى هي أن تلوم الآخرين في فشلك.
هناك من قال: "إن المرء يفشل مراراً ولكنه لا يصبح فاشلاً إلا عندما يبدأ بلوم الآخرين".
وتعلمّت أن المال والنفوذ والشهرة تشكل، دون شك، قوى كبيرة. الا إن التحدي الأكبر هو كيف تحول هذه القوى الى قوة لك، لا قوة عليك. كثيرون تمكنوا بطموحهم من تسلق هذه القمم. لكن كثيرين منهم أيضاً سرعان ما تدحرجوا الى قعر الهاوية. تدحرجوا لأنهم لم يتمكنوا من ترويض النجاح، فخسروا أنفسهم وضاعوا. ولئلا تضيعوا تذكروا أن التواضع هو أعلى قمة قد تصلون اليها في داخلكم. وتذكروا أيضاً أن نجاحكم لن يكون نجاحاً لكم إن لم يكن أيضاً نجاحاً لغيركم.
وتعلمت أن المرء لن يحصل على السعادة إلا اذا تحرر من قشوره. ولذا جئت لأقول لكم ان لم تتحرروا من قشوركم لن تصلوا الى حقيقتكم، ومن لا يصل الى حقيقته لا يمتلك نفسه، ومن لا يمتلك نفسه لا يمتلك شيئاً. فعبثاً تحاولون الوصول الى السعادة إن لم تنزعوا أقنعتكم عن وجوهكم، وتقفوا عراة أمام وجه الله.
هذا بعض ما تعلمته أيها الخريجون، أضعه بين أيديكم لعله يكون ذا فائدة لكم. ولا أخفي عليكم إنني خائف عليكم، وخائف على مستقبل الإنسان في جميع بقاع الارض، إذ أن أعظم ما في الانسان يتقهقر يوماً بعد يوم أمام التقدم المهيب والسريع للعلم والتكنولوجيا، وأخاف أن يأتي يوم يعتبر فيه كل ما ليس بالإمكان إدخاله في الكومبيوتر غير موجود بالفعل. والحقيقة هي أن الأشياء الكبيرة في الحياة لا يفهمها الكومبيوتر. فالحب والمحبة والحنان والرفق والتسامح والنخوة والشهامة والكرامة والنبل... كلها أشياء تحدد ماهية الإنسان وعظمته ولكنها تبقى خارج عالم الكومبيوتر. ويهزأون منك في الغرب عندما تتكلم عن النبل. وأخاف أن يأتي يوم يفتش فيه أولادنا عن كلمة النبل في القاموس ولا يجدونها. أنا، أيها الخريجون، إبن العلوم والتكنولوجيا ولكنني أخاف ان يصبح الإنسان يوماً بلا "قلب" عند ذاك يزول أي معنى للحياة، وتظلم الأرض ويصبح الحصول على السعادة أمراً مستحيلاً.
وأود أن أذكركم بشيء يعني لي الكثير، وهو الولاء. الولاء لأهلكم، الولاء لأساتذتكم، الولاء للذين ساعدوكم والولاء للوطن. وهنا لا أبوح بسر إذا قلت لكم ان الحروب اللبنانية لم تكن نتيجة فشلنا في بناء الدولة بقدر ما كانت نتيجة عدم الولاء للبنان. وأرجو أن تغفروا لنا لأن جيلنا لم يبن وطناً يليق بكم ونأمل أن يتمكن جيلكم من بناء لبنان جديد بحجم عظمة تاريخه، وعظمة حضوره في العالم.
نظرة واحدة الى هذا الشرق العربي، ماذا نرى؟ نرى صحارى من الفكر المجمّد، وأنظمة سياسية لا تحترم عظمة الإنسان الفرد ولا تؤمن بحريته. ونرى ثورات من التطرف الديني والعنف تكبل العقل وتدوس الإنسان وتعتدي على الله. غداً، أيها الخريجون، يجب أن تتمردوا على هذا الواقع وتعملوا على تغييره.
أيها الخريجون.
إذهبوا، واعملوا، وازرعوا في الارض، وطاردوا أحلامكم ولكن إياكم أن تنسوا يوماً من أنتم، ومن أين أتيتم، ومن هم أهلكم وأي أرض في الأرض هي أرضكم. على بُعد ثمانية آلاف ميل من هنا وفي مكتبي في مدينة هيوستن، هناك غصن زيتون من شجرتي، وزجاجة زيت من زيتونتي، وحفنة تراب من قريتي. هذا ليس فقط ليذكرني من أين أتيت بل ليذكرني من أكون.
غداً، تبدأون مرحلة جديدة من حياتكم، وستنشغلون في أعمالكم. ولكن ضعوا جانباً كل يوم دقائق معدودة وارفعوا فيها الصلاة الى الله، واشكروه على كل ما أغدق عليكم، واطلبوا منه أن يحفظ أهلكم. ومن أجل لبنان، أطلبوا منه أن "يتطلع من السماء وينظر، ويتعهد هذه الكرمة التي يداه غرستها، ويصلحها".
السماء تبارككم. أما الارض فهي تناديكم وتقول لكم "إثبتوا في محبتي كما ثبتّ أنا في محبتكم".
أيها الخريجون.
ليكن سلام الله عليكم، ولتكن صلوات أهلكم معكم
Partager cet article
Repost0

commentaires