Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
7 octobre 2014 2 07 /10 /octobre /2014 13:38

الفصل الثالث والعشرون: حال كنائسنا المحلّية

يَصف هذا الفَصل الحال الاجتماعيّة

والإيمانيّة والتّربويّة في كنائسنا المحليّة.

 

البَذخ سمة أساسيّة في مُجتمعَنا:

التَّباهي والمـُبالَغة في الاهتمام بالمـَظهَر، وحُبّ الظُّهور بأبهى حلَّة، ورَغبة العيش برفاهية، ولَفت الأنظار ونَيل استحسان الآخرين وثَنائهم ومُراعاة أذواقهم، هي هوَسٌ جَماعي وجزء لا يتجزَّأ من ثقافة الفَرد وطبعه وشخصيَّته، بالرّغم من الأزمات السياسيَّة والخضّات الأمنيَّة والغلاء المـُستشري وارتفاع أسعار المأكَل وإيجار المنْزل والتَّعليم والطَّبابة. استهلاك الكَماليات هو في صلب حياتنا ونمَط عيش لا نَتخلَّي عنه.

الفرد ذو الدَّخل المحدود لا يَتورَّع عن شراء الملابس الباهظة الثَّمَن وارتياد المـَطاعم والمـَقاهي ذات الأسعار الخياليَّة وإقامة أعراس "ألف ليلة وليلة"، بما يَتجاوز إمكاناته، وشِعارُه: "إصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"! عقليَّة الاستهلاك هذه لا تَحسب حسابًا للاستحقاقات اللَّاحقة، فتَتراكم الدّيون ويَعجز الفرد عن سَدادها، ويَقع تحت وَطأة التَّقسيط والرّبا والفوائد وضَحية شيكات بلا رَصيد.

صفات الفرد في مُجتمعنا:

ما يتَّصف به الفرد، يتَّصف به المجتمَع. ونحدِّد بَعض هذه الصِّفات كالآتي:

1. شهوة المال وحبّ الاقتناء: هناك شَهوةٌ جامحة إلى اقتناء ما لا يَلزم وما لا لا يُفيد. فكلّ فَرد يَطمح لأن يَبدو أكبر وأغنى وأكثر أهميَّةً مما هو في الواقع، سواء أكان فقيرًا أو مُتوسِّط الحال أم غنيًّا. وهذا يَعني الطَّمَع وغياب القَناعة، والمـُنافَسَة في الاقتناء، والرَّغبة في شراء كماليّات "أكبر" "وأغلى" مما عند الآخَرين. وهذا يَعني تَسلُّط شهوة المال، والرغبة في الكَسب السَّريع بأيّ وسيلة، ولو غير مَشروعة. فالمال هو ما يُؤمِّن المـُقتنيات.

2. الكبرياء والغشّ والازدواجيَّة: يعيش الفَرد ازداوجيةً بين ما يملك وبين ما يُفاخر بامتلاكه. فالمظاهر دائمًا غاشَّة، والفرد لا يَظهر أبدًا على حقيقته، ولا يُريد ذلك. مَظهرُه يَغشُّ الآخَرين، ومَظهَرُهم يَغشّه. الكلّ يَغشّ الكلّ، في تَكاذُب مُتبادَل اعتادَ مُجتمعُنا عليه. الكلّ يُفاخر بما ليس عنده، وبما ليس فيه، وهذا الأمر يَكشف سَطحيَّةً وفَراغًا.

3. الفَراغ وغِياب القِيَم: بين ما يُظهِرُه الفَرد وما يُبطنه هناك فَجوةٌ تدلّ على فَراغ داخليّ، يُحاول الفرد، عبَثًا، مِلأه من خلال الشِّراء والاقتناء. فهو يَتمسَّك بالقُشور على حساب الجوهَر، وهذا دليلٌ على أنّه قلَّما يُفكِّر في جوهر الأشياء وقيمتها الحقيقيَّة: لا في ما يَتعلّق بذاته، ولا في ما يَتعلَّق بالآخَرين. وهذا يَعني غياب القِيَم، فالقيمة عند الغالبيَّة هي للمظاهر والمـُقتَنيات. مَظهرنا الخارجي وما نملكه يُحدِّد قيمتَنا، كقولهم: "معك فلس، أنتَ تُساوي فلسًا!"

لقد تَضعضعت القيَم الأخلاقيَّة الأصيلة التي كانت سائدةً حتى وقت قريب مضى، وكانت ركائز العلاقات الإنسانيَّة والعائليَّة وأُسس الرّوابط الاجتماعيَّة. فأيّ قيَم تَسودُ مُجتمعًا يَعيش فيه الناس غشّ المـَظاهر والطَّمَع والتَّكاذُب؟

4. عدم الاكتراث للقيمة الذاتيّة الحقيقيَّة: إنّ الاكتراث للمـَظاهر أكثر من الجَوهر يَعني عدم الاكتراث للبُعد الدّاخليّ عند الإنسان، وما فيه من غنى، أي فَضائل الاستقامة والعَطاء والشّهامة والغَيرة على خير الآخرين، ومحبّة الفرد لقريبه ومـُجتمعه ووطنه... فهذه لا قيمة لها لمن لا يهمّه سوى المال والمـُقتنيات.

الفرد لا يَكترث لوجود هذه الخِصال في الذّات والآخَرين، ولا لقيمته الذاتيَّة الجَوهريَّة، التي هي الأساس، والتي يجب أن يكتفي بها وحدَها. وهو لا يَسعى لتعزيز غِناه الدّاخليّ، لأنّ شهوة المال وحبّ المظاهر والمـُقتنيات أعمته عن حقيقة ذاته العَميقة، وأهميّة العناية بها وإغنائها وتَنميتها. وهذا يَعني أنّ السَّطحيَّة على جميع المـُستويات، الأخلاقيَّة والثَّقافيَّة والإنسانيَّة، تُهيمن على الفَرد وتَسود المـُجتَمَع.

5. اعتماد سلَّم قيَم خاطئة تَقوم على المال: في سلَّم قيَم هذا المجتمع، المال يأتي قبل المبادئ. سلّم القيَم هذه لا تَبني الفرد ولا تُحصِّن المـُجتمـَع ولا الوطن، بل إنّها سلّم قيَم أنانيّة ونَفعيّه وهدّامة للفرد والمـُجتمَع ولإنسانيّة الإنسان، والأخلاق.

وهذا الأمر يجعل من الصعوبة بمكان أن تُفيد أبناءنا التربية الأخلاقيّة والوطنيَّة. وهذا يُفسِّر ولو جزئيًّا، ضعف الحسّ الوطنيّ وحسّ الانتماء إلى شعب واحد، والانسياق وراء الغرائزيّة والمـَذهبيَّة والفئويَّة والمـَناطقيَّة، وتخلّي كثيرين عن وطنهم وخيانته. فمَن كان المال في أعلى سلّم أولويّاته، لن يكترث لتربية أبنائه على أيّ صَعيد. لهذا أهملَت شريحة كبيرة من مُجتمعنا تنشئة الأولاد إيمانيًّا وأخلاقيًّا ووطنيًّا.

6. الهشاشة والتردّي الأخلاقيّ: مجتمعُنا ليس مَبنيًّا على حبّ الله والآخَر والوطن، بل على حُبّ المال، والاستعداد للغشّ والاستغلال، والسَّعى إلى الربح السريع بطُرُق غير أخلاقيّة. لذلك نحن نعيش في مُجتمَع مُفكَّك وغير مُتماسك وغير مُحصَّن داخليًّا ويَسهُل اقتحامُه أخلاقيًّا وفكريًّا وثقافيًّا، وعلى جميع المـُستويات. وهذا ما يُفسِّر سُهولة أن يَتبنّى شعبُنا، لا سيّما الشبيبة، وبسرعة فائقة، أيّ موجة فكريّة، أو صَرعة فنيَّة أو مُوضة، أو مَسلكيّات، مهما كانت، تأتينا من مُجتمعات غَريبة عن أخلاقيّتنا وتَقاليدنا.

7. التردّي الثّقافي: كلّ ما سَبَق يعني عدم الاكتراث للبُعد الثّقافي وأهميَّة بناء الذّات والآخَرين عِلميًّا وفِكريًّا وثقافيّا. فما دام المال هو الهدَف، لا ضرورة للثقافة. مُجتمعنا هو الأقلّ إقبالًا على المـُطالعة بين دُوَل الجِوار، وهو لا يقرأ سوى كتب الأبراج وكتب الطبخ والمجلات الفنيّة والاجتماعيَّةالرَّخيصة. فلا قيمة للفنّ الراقي والأدب والشعر. وتَرُوجُ بالمـُقابل الاستعراضات "الفُكاهيّة" الهَابطة الذَّوق والبَذيئة، التي يَحضُرُها حتى كِبار رجالات المـُجتمَع!

لهذا أهمل مُجتمعُنا، في غالبيّته، المـُطالعة والتَّثقُّف الذاتيّ، وتَثقيف الأبناء والناشئة. والفرد في تَحصيله للعلم لا يَهدف إلى تحصيل الثَّقافة والارتقاء إنسانيًّا، بل لنيل شهادة يَعتبرُها ضَرورةً لتحصيل المال. وقد قال مسؤول اقتصاديّ كبير في الدَّولة إنّ الجامعة الوطنيَّة هي "قِطاعٌ غير مُنتِج!"

8. الاستهلاكيّة التي لا مُبرِّر لها: مُجتمعُنا هو مُجتمَع استهلاكيّ، والاستهلاك ليس لصالح اقتصادنالأنّ بلدَنا غير مُنتج، وما نَستهلكه نستَورده. في المـُجتمع الاستهلاكيّ، تُقاس قيمة الفرد بما يَستهلك، ومن هنا الإقبال الشديد، الأعمى، على الاستهلاك. أما في المجتمع المـُنتج، فقيمة الفرد بما يُنتِجه، فلا يرى ضرورةً للتباهي بمظهره ومُقتنياته. عندما يَنصرف الفرد والمجتمع عن الفكر والثقافة، وعن الجوهر، لا يبقى له سوى المـَظاهر والمـُقتنيات، يَتعلّق بها، كبديل لجوهره، ولإملاء فراغه، وبَديلًا عن هويّته.

9. عدَم الوعي وعدَم المسؤوليَّة: نَزعة الاستهلاك ليست دليلَ عَافية للفرد والعَائلة والـُمجتمَع، بل هي دليلُ سَذاجة وعدم تَفكير وعدم مسؤوليَّة، وعدم تَبصُّر بالمـُستقبَل. فأين الفطنة في كثرة الاقتراض وغياب الادِّخار وعدم التَّفكير بالغد لتوفير أقساط الأولاد ووضع بعض المال جانبًا تَحسُّبًا لمـُفاجآت الحياة؟ وأين الفطنة في استهلاك الكماليّات على حساب الأمور الأساسيَّة، مثل أقساط المدرسة وفواتير الكهرباء والهاتف؟ إنّ عدَم قناعة الفرد وعدَم قبوله بالمـَوجود يَقضي على طُموحه. فبدلًا من أن يَجِدّ ويُحسّن مُستواه المـَعيشيّ، ويُحصِّل ما يَتوق إليه من مُقتنيات بطُرق سَليمة، يَعمَد إلى الاقتراض، فيتدنّى مُستواه المـَعيشيّ بسبب الدّيون والفوائد التي تُرهق كاهله.

وما يُفاقم نَزعة الاستهلاك وجود مُركَّب نقص تجاه الغرب. والسبب غياب هويّة اجتماعيّة ووطنيّة قائمة على قناعات وقيم راسخة، فيعمَد الفَرد إلى الاستهلاك لكن من دون أن يحقّق هويّةً أو أن يصير شبيهًا بالغرب، سوى بالمظاهر والقُشور والمـَسلكيّات الشاذَّة التي قد يكون مُجتمع الغَرب منها براء!

10. السطحيَّة والقسوة والعدائيَّة: مُجتمعنا سَطحيّ وفارغ بسبب التّهافُت على الاستهلاك. وهو شديد الأنانيَّة، تسُودُه نَزعَةُ حُبّ الظُّهور على حساب الآخرين. وهو لذلك مُجتَمَعٌ قاسٍ وعدائيّ وعَديم المـُسامحة وعَديم الرحمة تُجاه المسكين والفقير والذي لا سَنَد له. وإنّ فِعل التَّباهي بحدّ ذاته هو فِعلٌ عدائيّ، كأنّ الفَرد يَقول للآخر "أنا في مُنافسة معك وأنا أفضل منك، وأنت أقلّ قيمةً وأدنى مُستوى منّي،" فيردّ الآخَر بموقف مُماثِل! ويَزداد الحَسَد والبُغض والعداء بين الطَّرَفَين.

11. تسلّط المـُتعة والشّهوة: النَّزعة الماديَّة، وحُبّ المـُقتنيات والمظاهر، تُلازِمُها، لا مَحالة، سَيطرة المـُتعة والغريزة الجنسيَّة. فإحدى غايات اقتناء الكماليّات والزِّينة... هو إغراء الجنس الآخَر والإيحاء أنّ الشخص غنيّ ويعيش في رفاهيّة. لكن هنا أيضًا يعيش الطَّرفان الغشّ والتَّكاذُب والازدواجيَّة.

في ظلّ غياب القيَم الذي ذكرنا، وفي ظلّ سلَّم قيَم خاطئة في رأسها حبّ المال، وفي ظلّ هشاشة الحبّ وتردّي الأخلاق، تَتَّخذ العلاقة بين الطَّرفَين، في الغالب، مَنحى شديد الماديَّة، يقوم على المـُتعة والشّهوة، وربما على الاستغلال، جنسيًّا وماديًّا. فيكون هذا المـَنحى في العلاقات مَظهرًا آخَر من مظاهر قَسوة العلاقات في المـُجتمَع.

 12. الضّعف والتفكّك: هذا المجتمع، بالرغم من قَسوته، هو مُجتمـَعٌ ضَعيفٌ وغير مُتماسِك ومُفكَّك ومُباح. فبسبب حبّ المال والمـَظاهر غابت المحبَّة وسادَت الأنانيَّة وصَعُبَ التَّفاهم وتَراكمت الخلافات واستشرت الأحقاد وكثُرت الشّرور وازداد التشرذُم، حتى بين أبناء العائلة الواحدة، وتردَّت القيَم وتراجَعَ الحسّ الوطنيّ. وانعكسَ هذا التفكّك على العلاقات والحبّ والزواج والعائلة، فالمـَظاهر والمـُقتنيات أكثر أهميَّةً من العلاقات. ولا أحد يَكترث للأجيال القادمة، التي تُشير الدَّلائل إلى أنّ مُستقبَلَها سيكون مأزومًا إيمانيًّا وروحيًّا وأخلاقيًّا وعائليًّا واجتماعيًّا.

13. اللامُبالاة الروحيَّة والأخلاقيَّة: أيّ حياة روحيّة يُمكن أن يَحياها مَن أحبّ المال حتى العبادة، فكان جمع المال في أوَّليّاته ورأس اهتماماته، وضَعُفت عنده المبادئ وتردَّت الأخلاق، وعاش الغشّ والازدواجيّة واللاأخلاقيَّة في علاقاته، ويُعاني السطحيَّة وعدَم الوعي وعدَم المسؤوليَّة؟ إنّه ليَصعُب جدًا اختراق ضمير هذا الشخص والتكلّم معه في الروحيّات.

بالطَّبع، ما نَقولُه هو وَصفٌ لسِمات أساسيَّة في مُجتمعنا، لا يَنطبق على جميع الناس. لكن أردنا أن نُبيِّن السمات الغالبة، وهي جَليّةٌ ولا نحتاح إلى كثير من البراهين لإثبات تَفشّيها. ونحن نُعيد تَبيانَها في التَّرسيمة التّالية. ويَظهر لنا أنّ مِحور مُجتمعنا هو المال، وتَتبيَّن لنا النتائج، التي تَنتهي باللامُبالاة الروحيَّة والأخلاقيَّة. ولنُفكِّر مَليًّا: كيف يقوم وَطَنٌ على هذه السِمات؟ وكيف يَقوم زواجٌ وتَثبُت عائلة إذا توفَّرت ولو واحدة من هذه الخِصال في أحد المـُقترنين بسرّ الزّواج؟

شهوة المال وحبّ الاقتناء

الكبرياء والغشّ والازدواجيَّة - الفَراغ وغِياب القِيَم - عدم الاكتراث للقيمة الذاتيّة الحقيقيَّة

اعتماد سلَّم قيَم خاطئة تَقوم على المال - الهشاشة والتردّي الأخلاقيّ - التردّي الثّقافي

الاستهلاكيّة التي لا مُبرِّر لها - عدَم الوعي وعدَم المسؤوليَّة

السطحيَّة والقسوة والعدائيَّة - تسلّط المـُتعة والشّهوة

الضّعف والتفكّك

    اللامُبالاة الروحيَّة والأخلاقيَّة

 

 

. سلوى أبو شقرا. "اللبناني والـShow Off...  كيف تَتمكَّنون من صَرف كلّ هذا المال؟" النهار 26/8/2014، ص 16.

Partager cet article
Repost0

commentaires