Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
7 avril 2014 1 07 /04 /avril /2014 22:17

"جسرُ القمر"

الأحد الثاني من الصوم

(شفاء المخلَّع: مرقس 1:2-12)

عظة الأب أنطوان يوحنّا لطّوف

القنيطرة-بيت شباب، 22/3/2014

في مسرحيّة "جسر القمر" للأخوين رحباني (1962) ضيعتان على عداء لأنّ ضيعة "الجسر" قطعت الماء عن أهل "القاطع". وعند الجسر الفاصل بينهما، يلتقي "شيخ المشايخ" صبيّةً مرصودةً، تقول له إنه لن يُحرِّرها سوى الحبّ، وأنّ تحت الجسر كنزًا. في النهاية، يُدير أهل ضيعة الجسر الماء إلى ضيعة القاطع، فتتصالحان، ويتحقّق الحبّ الذي يُحرِّر الصبيّة، ويتبيَّن أنّ الكنز لم يكن سوى الحبّ

مُشكلة عصرنا، التي تُسبِّب العداء والشّقاق والأزمات النفسيّة وتفكّك العلاقات وانهيار العائلات، ضياع الحبّ. يقول المتنبّي: "أما الأحبَّةُ فالبيداءُ دُونَهُمُ." من دون الحبّ هناك الغُربة، وأن نحجب الحبّ عن الآخرين يعني أن نُغرِّبَهم عن ذواتهم وعن الآخرين. على هذا قال المتنبّي أيضًا: "وما مقامي بأرضِ نَخلةَ إلَّا/ كمقامِ المسيحِ بين اليهودِ." أدرك المتنبّي قسوةَ غُربة المسيح بين قَومه، وأنّ غُربته بينهم، وانعدام حُبّهم له كانا سبب قتله. فانعدام الحبّ يعني الموت

إنجيل الدّينونة (أحد مرفع اللحم) يُعلِّمُنا أنّ الله سيديننا على الحبّ، وفي الوقت عينه، يحثُّنا على الحبّ، الذي يتجلّى بإطعام الجياع وإرواء العطاش وكسوة العُراة وإيواء الغرباء وزيارة المرضى والسُّجناء. وفي إنجيل اليوم، يُطبِّقُ الربُّ بنفسه ما يقوله في إنجيل الدَّينونة. فالمخلَّع المـُدلَّى من السَّقف فقيرٌ وجائع وعطشان وغريب ومحبوس بسبب علّته، ويفتقد إلى الحبّ

مُشكلة المريض لسيت المرض وحسب، بل بالأكثر انعدام الحبّ والتعزية؛ ولعلّه، على النقيض، صار مخلَّعًا لحاجته إلى الحبّ. ويسوع، بشفائه له، يفتقده في فقره الماديّ والروحيّ، ويُطعمُه في جوعه إلى الحبّ، ويَسقيه في عطشه إلى العزاء، ويزورُه في مرَضه وسجنه، ويردُّه من غُربته

إنّ الأفعال المذكورة في إنجيل الدّينونة هي في غاية السّهولة والبساطة، ولا تَستغرق إلّا القليل من الوقت والجهد لإنجازها. فنحن نحتاج إلى دقائق قليلةً لنُطعِمَ جائعًا ونكسو عريانًا، وإلى ثوانٍ لنسقي عطشانًا، وكذا القول عن إيواء الغريب وزيارة المريض وافتقاد المحبوس. لكنّ الربّ يُعلِّمُنا أنّ محبّة الآخرين والتألّم لآلامهم هي ما سنُحاسَب عليه. وكونُ هذه الأعمال بسيطةً، وفي مُتناولنا، هو سبب دينونة إضافيّ لنا، إن نحنُ قَصَّرنا فيها

إنّ زيارتَنا للمحبوس لن تُحرِّره، وعيادتَنا للمريض لن تشفيه، لكنّ الربّ يتكلّم على الحبّ الكامن وراء هذه الأفعال البسيطة بحدّ ذاتها، والكبيرة في مدلولها، والعميقة في تأثيرها. وأجرُنا لا يضيع، لا بسبب الطعام والماء الذي أعطيناه، بل بسبب الحبّ. ففي الحبّ قوّةٌ تشفي وتردّ الحياة. لقد شَفى الربّ المـُخلَّع لأنه "رأى قوّة إيمانهم"، لكنّ شِفاءه له صار بفعل الحبّ، وكان تَعبيرًا أسمى عن الحبّ

في مثَل السامريّ، وقع رجُلٌ بأيدي اللصوص فعرّوه وتركوه بين حيّ وميت. ولم يُنقذه سوى الذي "صار قريبًا له، لأنه "صنع إليه الرَّحمة." هذا الجائع والعطشان والعريان والغريب والمريض والمحبوس تَعافب بقوّة الحبّ المـُحرِّرة

والشّافية. والعِبرة من هذا المثَل "إذهب أنتَ واصنع كذلك" تدعونا لنُقيم روابط حبّ مع الآخرين، من خلال أعمال الرحمة، فنصير لهم أقرباء، فيُشفَون في نُفوسهم وأجسادهم ويُرَدّون من غُربتهم

والابن الضال، في نهايته المؤلمة، صار جوعانًا وعطشانًا وعريانًا وغريبًا ومريضًا ومحبوسًا. كان جوعه شديدًا إلى الحبّ، الذي تغرَّب عنه طوعًا، وافتقدَه من لحظة مُغادرته البيت الأبويّ. ولم يَشفه سوى لهفة الأب وانتظارُه، ومحبّته له. وعندما هرَعَ نحوه وألقى بنفسه على عُنُقه وقبَّله، تحقّق له الشِّفاء. وقَولُ الأب: "كان ميتًا فعاش" يعني أنّه كان ميتًا لابتعاده عن الحبّ، وعاش بعودته إليه

إذا كانت محبّة الله لا مُتناهية، وقوّتُها الشفائيّة كاملة وفاعلة، فإنّ للأفعال الصغيرة، التي يطلبُها الربّ منّا، قوّة حبّ وقوّة وعزاء شفاء كبيرَين، أيضًا: "مَن سقى أحد إخوتي هؤلاء الصّغار كأس ماء بارد، لا يضيع أجره." وإذا كان الله يُكافئُنا بالفردوس على أعمال الحبّ الصَّغيرة، فالمـُكافأة تكونُ أضعافًا إنّ نحنُ أحببنا كلّ حياتنا. فإنجيل الدّينونة يدعونا لأن نُكرِّس حياتنا بمُجملها للحبّ، وأن نُحبّ بأقصى ما يُمكنُنا، وبكلّ طاقاتنا، وبجميع إمكاناتنا، فنكون على مثال الذي "بذل ذاته في سبيل أحبّائه"؟

كانت أعمال السيّد جميعُها أعمال حبّ. في كلّ فعل شفاء، كان يُحبّ ويتحنَّن، ويُحاور الشخص العليل ويسألُه عن حاجته: "ماذا تُريد أن أصنع لك؟" وهو احتضنَ الأطفال ولمس الأعمى والأبرص، ولمس نعش ابن امرأة نائين، وترك يوحنّا يُلقي برأسه على صدره. والذين شفاهم لن يذكُروا الشفاء وحسب، بل سيذكرون أيضًا، إلى الأبد، كلماته المـُفعَمة بالحبّ، ولمسته الحنونة، وأسئلته التي تنمّ عن اهتمام حقيقيّ، والتي كانت غايتُها، بالأخصّ بناء علاقة حُبّ مع الآخر، تُخرجُه من غُربته

حاجةُ الإنسان الأولى هي إلى الحبّ الحقيقيّ المجانيّ غير المـَشروط، لأنّ الحبّ المشروط الذي يطلُب المــُـقابل ليس حبًّا. وتكمُن قوّة الشِّفاء في الرَّابط القويّ الذي يُنشؤه الحبّ. وإنّ إعطاء الحبّ يعني إعطاء الحياة. يقول الرسول يعقوب: "مَن عرف كيف يَعمل الخير، ولا يعملُه، يرتكب خطيئةً؛" لكن بالأكثر، من عَرَفَ كيف يُحبّ، ولم يَفعل، يرتكبُ موتًا، لأنّ "مَن لا يُحبّ يبقى رهن الموت،" كما يقول يوحنّا الإنجيلي

إنّ حُبّ المسيح أعطى الحياة للعَالم، والذين تابوا، لم يَتوبوا خوفًا، بل حبًّا بالمسيح. والذين تَقدَّسوا، تقدّسوا أيضًا بالحبّ، وبلغوا الفردوس، الذي هو المحبّة، وهو المسيح، كما يقول القديس إسحق السرياني. القديسة تريزيا كالكوتّا، مثلًا، لم تكن ناسكةً مُتوحِّدة، لكنّها تقدَّست بالحبّ ونالت أكاليل المجد. ويُخبرُنا الروائيّ ناثانيال هاوثورن Hawthorne (1804-1864) أنّ رجلًا قاسي القلب وقعَ في برميل كِلس، فذابت أعضاؤه ولم يبقَ منه سوى قَلبه، كقطعةٍ من رُخام. ونحن، في آخر حياتنا، سوف نذوب، فهل يَبقى منّا قلبٌ من رُخام، أم قلبٌ ينبض بالحبّ الذي لا يموت؟

الحبّ هو الجسر الذي يربط بين البشر، فيوحِّدُهم بالمسيح، وببعضهم البعض، ويُصالحهم، ويكسر العداوة بينهم، كما قال الرسول بولس، "إنه ألغى العداوةَ بصليبه،" ويُدخِل إلى قلوبهم الفرح والرجاء، ويُعطيهم الحياة. وإذا كان الحبّ في القصّة الرَّحبانيّة أزال العداوة بين ضيعتَين وأعاد الرابط بينهما، وحرَّر الصبيّة، وأبان الكنْز، فكم بالأحرى تكون قوّة حبّ المسيح، الذي هو غاية حبّنا وكنْزُنا ومُحرِّرُنا، وجسرُنا إلى الآخرين، والسلَّم التي ترفعُنا إلى السَّماء

الحبّ ليس مُمكنًا إلّا بالمسيح، القادر وحدَه على "أن ينْزع منّا القلوب الحجريّة، ويستبدل بها قُلوبًا لحميّة." فليُعطِنا إله الحبّ القُدرة على الحبّ، فنرتفع إليه ونتّحد به، مُقدِّمين له قلبًا عاش لحبّه ولحبّ الآخرين، وينبض بالحبّ إلى الأبد. آمين

Partager cet article
Repost0

commentaires